الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
(ولا يجوز) بالقرعة أو المراضاة (قسم زرع أو ثمر) بعد أبارهما وقبل بدو صلاحهما وانتهاء طيبهما أو بعد ذلك (مع الأصول) التي هي الأرض والشجر (ح): مشبهاً في الممنوع كقسمه بأصله، ومحل المنع فيما قبل بدو الصلاح إذا دخلا على السكت أو شرط أن تبقى الثمرة والزرع في الشجر والأرض إلى الجذاذ والحصاد لما يؤول إليه من بيع طعام وعرض بطعام وعرض، فإن دخلا على شرط قطع الزرع والثمار الآن جاز حيث بلغ حد الانتفاع به لأنه بيع له على القطع فلا تأتي العلة المذكورة. قال في المدونة: وإذا ورث قوم شجراً أو نخلاً وفيها ثمر فلا يقتسموا الثمر مع الأصل، وإن كان الثمر بلحاً أو طعاماً ولا يقسم الزرع مع الأرض، ولكن تقسم الأرض والأصول وحدها وتترك الثمرة والزرع حتى يحل بيعهما فيقسموا ذلك حينئذ كيلاً أو يباع ويقسم ثمنه. أبو الحسن: ويدخل في قسم الزرع مع الأرض طعام وعرض بطعام وعرض اه. وإلى قولها: ولكن تقسم الأرض والأصول وتترك الثمرة أشار الناظم بقوله: (والتناهي ينتظر) فالجملة من المبتدأ والخبر استئنافية أي: ولكن تقسم الأرض والشجر وحدهما وينتظر بالزرع والثمرة تناهي الطيب أو بدو الصلاح وتقسم كيلاً أو تباع، ويحتمل أن تكون الجملة حالية قيداً فيما قبلها أي: لا يجوز قسم زرع أو ثمر مع الأصول في حال انتظار تناهي الطيب، أما في حال عدم انتظاره بل دخلا على قطعه فيجوز كما مر. وهذا الاحتمال هو المتعين فيما يظهر وإلاَّ تكرر هذا مع قوله بعد: ومع مأبور ويصح القسم في الخ. وقولي: بعد أبارهما احترازاً مما إذا كان قبل الأبار فإنه يمنع مطلقاً كما قال: (وحيثما الإبار فيهما) أي في الزرع والثمر (عدم فالمنع من قسمة الأصل منحتم) لا وحده ولا مع ثمره وزرعه لأن قسمة الأصول وحدها فيه استثناء ثمر وزرع لم يؤبرا، والمشهور منعه لأنه كاستثناء الجنين في بطن أمه وقسمها بثمرها فيه طعام وعرض بطعام وعرض، وإنما جعل الثمر الذي لم يؤبر طعاماً لأنه يؤول إليه وسواء اشترطا استثناءه أو سكتا للعلة المذكورة بخلافه في البيع، فإنه يجوز للمشتري اشتراط غير المأبور، بل هو له بنفس العقد مع السكت عنه لانتفاء طعام وعرض بطعام وعرض كما تقدم للناظم في بيع الأصول حيث قال: وغير ما أبر للمبتاع *** بنفس عقده بلا نزاع.. الخ (ومع مأبور) متعلق بقوله: (يصح القسم في أصوله) وحدها وتترك الثمرة والزرع إلى تناهي الطيب أو بدو الصلاح وتقسم كيلاً أو تباع (لا) يصح القسم (فيه) أي المأبور (معها) أي الأصول (فاعرف) وهذا الشطر تكرار مع قوله: ولا يجوز قسم زرع أو ثمر مع الأصول على الاحتمال الثاني هناك، وأما على الاحتمال الأول فالبيت كله تكرار، فافهم فلو حذفه ما ضر، وهذا كله في قسمة الأصول وحدها أو مع الثمار، وأما قسمة الثمار وحدها على رؤوس الأشجار فأشار له بقوله: (وقسم غير التمر خرصاً) بفتح الخاء أي حزراً جزافاً وتحرياً مصدر خرص من باب قتل والاسم بالكسر (والعنب) معطوف على تمر (مما) أي من الثمار التي (على الأشجار) من زيتون وفول أخضر وجوز وفستق وتين وزرع في الفدادين أو قثاء وغير ذلك (منه وجب) لأن القسم بيع، والشك في التماثل كتحقق التفاضل، وظاهره بدا صلاحه أم لا. دخلا على قطعه في الحين أم لا. وليس كذلك بل إذا لم يبد صلاحه ودخلا على قطعة جاز قسمه تحرياً كما مر (خ): وثمر أو زرع إن لم يجذاه الخ. ومفهوم غير التمر والعنب أن التمر والعنب يجوز قسمهما في رؤوس أشجارهما خرصاً، لكن إذا قلا وحل بيعهما واختلفت حاجة أهلهما وإن بكثرة أكل واتحد المقسوم من بسر أو رطب وقسم بالقرعة لا بالمراضاة كما في (خ): عبد الحق: الفرق بين سائر الثمار والنخل والعنب في القسم بالخرص أن ثمرة النخل والعنب متميزة عن الشجر وورقه، وليس كذلك سائر الثمار لأنها مختلطة بالورق ولا تتميز اه. وهذا هو المشهور، وقال أشهب، عن مالك في العتبية: لا بأس بقسم جميع الثمار بالخرص من نخل وعنب وتين وغير ذلك كانت مدخرة أم لا. إن وجد من يحسن الخرص وحل بيعه إلى آخر الشروط، وقال ابن حبيب: يجوز ذلك في المدخر دون غيره فهي ثلاثة أقوال. واعلم أن الطارىء على القسمة المقتضي لنقضها على ما في النظم خمسة. استحقاق وقد تقدم في كلامه، وعيب وحكمه حكمه كما مرت الإشارة إليه، ووارث أو دين أو وصية وإليها أشار بقوله: (وينقض القسم لوارث ظهر) كثلاثة عصبة اقتسموا التركة، ثم طرأ رابع فتنقض القسمة لأجله إذا كان المقسوم مقوماً كدار وحيوان ونحوهما فإن كان عيناً أو مثلياً رجع الطارىء على كل واحد بما أخذه زائداً على حقه، ولا تنقض القسمة ولا يأخذ ملياً عن معدم ولا حاضراً عن غائب أو ميت، وسواء علم المطرو عليه بالطارىء أم لا على مذهب المدونة خلافاً لابن الحاجب. (أو دين) ظهر بعد قسم الورثة التركة كانت فيها وصية أم لا. فإن القسمة تنقض، وظاهره كان المقسوم مقوماً كدار أو مثلياً وهو كذلك، فيكون ما هلك أو نما من جميعهم، وفائدة نقضها في المثلى كون الضمان من جميعهم إذا تلف بسماوي، ولو كانت صحيحة فيه ما كان الضمان منهم جميعاً، ولذا لا نقض في المثلى إن كان قائماً إذ لا فائدة له كما لابن رشد فغير المثلى ينقض مطلقاً والمثلى إنما ينقض مع الهلاك فقط، وما في (خ) من أنها لا تنقض في المثلى خلاف المشهور المنصوص عليه لابن القاسم كما في البيان قاله طفي وغيره. وإذا انتقض القسم على ما هو المشهور فيأخذ المليء عن المعدم والحاضر عن الغائب والميت ما لم يجاوز ما قبضه، وسواء علموا بالدين أم لا. قال في المدونة: وإذا طرأ الغريم على الورثة، وقد أتلف بعضهم حظه وبقي في يد بعضهم حظه فلربه أخذ دينه مما بيده اه. تنبيهان: الأول: قال في المقدمات: لا خلاف بين جميعهم أن الورثة لا يضمنون للغرماء ما تلف بعد القسمة بأمر من السماء ويضمنون ما أكلوه واستهلكوه. قال: وما ادعوا تلفه من الحيوانات التي لا يغاب عليها صدقوا في ذلك مع أيمانهم بخلاف العروض التي يغاب عليها فلا يصدقون إلا ببينة اه. ويفهم منه أنهم قبل القسمة مصدقون مطلقاً ولو فيما يغاب عليه لأنهم لم يحوزوا لأنفسهم شيئاً. الثاني: إذا باع الورثة التركة بعد القسمة أو قبله فبيعهم ماض لا ينقض كان فيه محاباة أم لا. وإنما اختلف هل يرجع الغريم بالمحاباة على الواهب الذي هو البائع أو على الموهوب له وهو المشتري؟ وكذا يمضي ما اشتراه الورثة من التركة فحوسبوا به في ميراثهم، ولو كانت السلعة قائمة بيد المشتري أو كان الورثة معدمين بالثمن فلا مطالبة على المشتري في ذلك كله، لكن محل إمضاء بيعهم إذا لم يعلم الورثة بالدين حين القسم، أو جهلوا أن الدين قبل القسم كما فرضه في المدونة، أما مع علمهم بتقديم الدين فباعوا فللغرماء نقض البيع وانتزاع المبيع ممن هو في يده قاله في كتاب المديان من المدونة انظر طفي. 5 (أو وصية) ظهرت بعد قسم الورثة، فإن القسمة تنقض (فيما اشتهر). وظاهره كانت الوصية بعدد أو بالثلث، أما الوصية بالعدد فهي كالدين فينقض القسم لأجلها كان المقسوم مقوماً أو مثلياً، ويكون ما هلك أو نما من جميعهم كما مر، وأما الوصية بالثلث فإنما ينقض القسم لها إذا كان المقسوم مقوماً كما مر في طرو الوارث على مثله، ثم محل نقض القسمة في الدين والوصية بعدد إذا لم يلتزم الورثة بأداء الدين وإلاَّ فلا نقض كما قال: (إلا إذا ما) زائدة (الوارثون باؤوا) رجعوا كلهم (بحمل دين) وأدائه لربهم ( فلهم ما شاؤوا) من إمضاء القسمة وإبقائها على حالها إذ لا حق لرب الدين في عين التركة، وكذلك إذا تطوع أحدهم بدفع جميع الدين من عنده لاغتباطه بحقه، فذلك له وتبقى القسمة على حالها أيضاً، وأما إذا أراد أحدهم أن يدفع ما ينوبه من الدين ويتمسك بحظه فليس له ذلك إلا أن يرضى بذلك غيره. انظر شرح الشامل فيما إذا ثبت الدين بشهادة أحد الورثة. وأصل باء رجع متحملاً، ومنه قوله تعالى: {أن تبوء بإثمي} (المائدة: 29) أي ترجع متحملاً بإثمي، وبقي على الناظم طرو الغريم على مثله، أو طرو الموصى له على مثله، أو طرو موصى له بجزء على وارث، أو طرو الغريم على الغرماء والورثة، أو طرو الموصى له بجزء على الموصى له بجزء وعلى الورثة، أو طرو الغريم على الورثة وعلى الموصى لهم بأقل من الثلث، فهذه ستة أشار (خ) إلى الثلاثة الأول بقوله: وإن طرأ غريم أو موصى له على مثله أو موصى له بجزء على وارث اتبع كل بحصته أي: ولا تنقض القسمة، وهذا إذا كان المقسوم مثلياً وإلا نقضت كما مرّ في طرو الوارث على مثله. وانظر حكم الثلاثة الباقية في (ح) والشامل. (والحلى) المشترك (لا يقسم بين أهله إلا) على أحد وجهين (بوزن) معتدل حيث أمكن فيه ذلك لتعدده مثلاً (أو بأخذ كله) ويأخذ الوارث الآخر عيناً من نوعه بالوزن فتكون مراطلة أو عيناً من غير نوعه على حكم الصرف كما مرّ في بيع النقدين أو عقاراً أو عرضاً لا عرضاً وعيناً من نوعه لما فيه من بيع عين وهو الحلى بعين وعرض وهو ممنوع كما أفاده (خ) بقوله: كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما الخ. وكذا عرض وعين من غير نوعه إلا أن يكون الجميع قدر دينار أو يجتمعان فيه. (وأجر من يقسم) أو غيرها (أو يعدل) أي يقوم المقسوم من أصول وغيرها، وظاهره أن المعدل غير القاسم وليس كذلك، بل الظاهر كما في (ح) أن القاسم هنا هو الذي يقوم المقسوم ويعد له اه. واعتراض طفي وابن رحال لا ينهض لمن تأمل وأنصف، بل قال الشيخ الرهوني ما استظهره (ح): يجب الجزم به وما في (ق) عن ابن عبدوس عند قوله: إلا كحائط فيه شجر الخ. صريح في أن القاسم هو المقوم. (على الرؤوس). ولو اختلفت الانصباء كنصف وثلث وسدس (خ): وأجره بالعدد أي الرؤوس لأن تعب القاسم في تمييز النصيب القليل كتعبه في تمييز الكثير أو أكثر. قال المتيطي: وبهذا القضاء، وتبعه الناظم فقال: (وعليه العمل) وقيل إنها على قدر الانصباء كالشفعة. قال الباجي في وثائقه: وبه العمل فهما قولان عمل بكل منهما. (كذلك الكاتب للوثيقه للقاسمين مقتف طريقه) بالتاء المبدلة هاء للوقف، وللقاسمين نعت له تقدم عليه فيعرب حالاً، ومقتف خبر عن الكاتب أي كاتب الوثيقة مقتف طريقة ثابتة للقاسمين حال كونه كائناً كذلك في كون الأجرة على الرؤوس على المعمول به. قلت: وحاسب الفريضة أي ضاربها ككاتب وثيقة القسمة، ولكن العمل اليوم في ذلك كله على ما للباجي لا على ما للناظم، وللمسألة نظائر كنس المرحاض فإنه على الرؤوس وسكنى الحاضنة مع محضونها، وكذا صيد الكلاب فلا ينظر لكثرة الكلاب، وإنما ينظر إلى رؤوس الصيادين، وكذا حارس البساتين وأعدال المتاع وبيوت الطعام على ما قاله البرزلي وغيره ولكن العمل عندنا في الحارس وكنس المرحاض على أنه على قدر الأنصباء كالشفعة والفطرة على العبد المشترك ونفقة الوالدين، فإنها على قدر اليسار وأجرة الدلالين ونفقة عامل القراض على قدر المالين، وما طرحه أهل السفينة خوف الغرق على قدر الأموال والساعي يتعدى على الشاة فتؤخذ من البعض، فهي على قدر الغنم وجناية معتق رجلين على عاقلتيهما بقدر حظيهما والوصية بمجهول (خ) في الوصية وضرب لمجهول فأكثر بالثلث، وهل يقسم على الحصص؟ قولان. هذا هو الذي يعتمد في هذه المسائل كما هو ظاهر، وإن كان فيه بعض مخالفة لما قاله طفي وغيره في فصل كاة الفطر. (وأجرة الكيال في التكسير) أي في كيل الأرض إذا بيعت على الكيل (من بائع تؤخذ) تلك الأجرة (في المشهور. كذاك في الموزون والمكيل) من الطعام أو غيره إذا بيع على الكيل أو الوزن فأجرة ذلك على البائع لقوله تعالى: {وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل} (يوسف: 88) والمخاطب بذلك هو يوسف عليه السلام، إذ هو كان البائع للطعام من إخوته (الحكم ذا من غير ما تفصيل) وهذا إذا لم يجر العرف بأن الأجرة في الكيل والوزن على المشتري وإلا فيحكم بها عليه كما عليه العمل اليوم لأن العرف كالشرط. وهي بيع العرض بالعرض كحيوان بثوب أو حيوان بمثله أو ثوب بمثله أو أرض بمثلها ونحو ذلك، وتسميها العامة اليوم المعاملة فهي من أنواع البيع كما قال: (يجوز عقد البيع بالتعويض في جملة الأصول والعروض) وظاهره؛ ولو لم يتعرضا لقيمة كل من العوضين وهو كذلك، ثم إذا وقعت في غير الأصول أو في الأصول التي لا ثمرة فيها أصل فلا إشكال في الجواز كما يستفاد من هذا البيت وما يأتي في قوله: وجائز في الحيوان كله الخ. وأما إن وقعت في الأصول التي فيها ثمرة فإما أن تكون تلك الثمرة غير مأبورة بأن لم ينعقد الثمر ولا خرج الزرع على وجه الأرض، وإما أن تكون مأبورة فأشار إلى الأول بقوله: (ما لم يكن في الأصل زرع أو ثمر لم يؤبرا) فإن المعاوضة حينئذ لا تجوز وإن وقعت (فما انعقادها يقر) بل يجب فسخها بكل حال، كما في ابن سلمون، وذلك لأنه يؤدي إلى بيع طعام وعرض بطعام وعرض كما تقدم في القسمة حيث قال: وحيثما الإبار فيهما عدم *** فالمنع من قسمة الأصل منحتم وما مر عن ابن فتحون في بيع الأصول بثمرها إنما هو إذا بيعت بعين أو بأصل لا ثمرة فيه أصلاً، كما تقدم التنبيه عليه، وأشار إلى الثاني بقوله: (وصح) عقد المعاوضة (بالمأبور) من الجانبين (حيث يشترط) لأحدهما (من جهة) دون الأخرى وأفهم قوله بالمأبور أن كلاً من الأصلين فيه مأبور إلا أن أحدهما اشترط لنفسه مأبور الآخر وأبقى مأبور أصله لنفسه أيضاً، وغايته أنه اشترى أصلاً مع مأبوره بأصل فقط دون مأبوره ولا محذور فيه بمنزلة ما لو اشترى أصلاً مع مأبوره بعين أو ثوب، وأحرى وأولى في الجواز إذا كان أحد الأصلين لا ثمرة فيه أصلاً فباعه ربه بأصل فيه مأبور واشترط المأبور لنفسه، وكذا إن كان ثمر أحد الأصلين قد أبر وثمر الآخر لم يؤبر، فيجوز على أن تكون الثمرة المأبورة تبقى للذي صارت له الثمرة التي لم تؤبر، ولا يجوز أن يشترطها الآخر قاله ابن سلمون، وفهم من قوله: من جهة أنه إذا اشترط كل منهما مأبور صاحبه لنفسه لم يجز وهو كذلك، لأنه عرض وطعام بعرض وطعام أي يؤول إلى ذلك كما تقدم في القسمة قريباً، وسواء كانا من جنس واحد أو من جنسين كأرض فيها زرع مؤبر بشجرة فيها ثمر مؤبر أيضاً للشك في التماثل في الجنس، ووجود النسيئة في الصورتين خلافاً للشيخ (م) في إجازته صورة الجنسين على جهة الترجي قائل لأن المماثلة غير مطلوبة والمناجزة حاصلة لأن النظر إلى الجزاف قبض الخ. لما علمت من أن الثمرة المأبورة ليست طعاماً الآن، ولأن كون النظر إلى الجزاف قبضاً إنما هو إذا كان مما ينتفع به في الحال وتقطع الثمرة من الآن كما مر في القسمة والله أعلم. (أو بقيا) معطوف على يشترط مدخول لحيث أي وصح حيث بقيا أي المأبوران ( معاً) أي عقدا على أن يبقى لكل واحد منهما مأبور أصله، لأن المعاوضة حينئذ إنما وقعت في الأصلين (فقط) دون الثمرة، فقوله: فقط راجع لقوله: من جهة وإذا اشترط المأبور من أحد الجانبين فإصابته جائحة فإنها لا توضع عنه لأن شرط وضع الجائحة أن لا تشتري مع أصلها وإلا فلا جائحة فيها كما قال (خ) وأفردت أو ألحق أصلها لا عكسه أو معه، وإذا استحق أحد العوضين في المعاوضة أو رد بعيب انفسخت المعاوضة ورجع كل واحد من العوضين لصاحبه إلا أن يفوت فيرجع بالقيمة كما قال (خ) أيضاً. وفي عرض بعرض بما خرج من يده أو قيمته الخ. (وسائغ) أي جائز (للمتعاوضين من جهة فقط مزيد) أي زيادة (العين) حيث يكون أحد العوضين أكثر من قيمة الآخر، وهو معنى قوله: (لأجل ما كان من التفضيل) أي إنما زيدت العين لكون عرض أحدهما يفضل على عرض الآخر في القيمة، فتزاد العين ليقع التعادل، وفهم من قوله: من جهة فقط أنه لا يجوز من الجهتين لأنه عين وعرض بعين وعرض، فالعين مع العرض من الجانبين إن كانت من جنس واحد قد اجتمع فيها المبادلة والبيع، وذلك مؤد للربا المعنوي المشار إليه بقول (خ): كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما الخ. وإن كانت من جنسين اجتمع فيها البيع والصرف المشار إليه بقوله أيضاً. وحرم بيع وصرف إلا أن يكون الجميع ديناراً أو يجتمعا فيه الخ. والقاعدة الشرعية أن العرض المقارن للطعام طعام والمقارن للعين عين، ولذلك امتنع بيع عرض وعين بعين من جنسها، وكذا من غير جنسها حيث لم يكن الجميع ديناراً ولا اجتمعا فيه (بالنقد) يتعلق بمحذوف حال من العين أي جازت زيادة العين لفضل أحد العوضين على مقابله في القيمة حال كون العين كائنة بالنقد أي: منقودة ومدفوعة في الحين (والحلول والتأجيل) الواو بمعنى (أو) فيهما أي أو كانت غير منقودة ولكنها بالحلول متى طولب بها أداها أو كانت بالتأجيل إلى أجل معلوم أو بعضها بالنقد وبعضها لأجل معلوم أيضاً كل ذلك جائز. (وجائز في الحيوان كله) أي الرقيق والأنعام والدواب (تعاوض) كانا من جنسين كعبد بجمل أو جملين نقداً في العوضين أو تعجيل أحدهما وتأجيل الآخر لا أن تأجلا معاً لأنه من ابتداء الدين بالدين أو كانا من جنس واحد كعبد بعبد وهو قوله: (وإن يكن بمثله) أي في الجنسية والقدر كانا نقداً معاً أو عجل أحدهما لا أن تأجلا معاً كما مر، وأما إن اختلف القدر كجمل في جملين مثله جودة ورداءة، فإن عجل العوضان معاً جاز، وإن تأخرا معاً امتنع، وكذا إن تأخر أحدهما لأنه مع تقديم الجملين ضمان بجعل ومع تأخيرهما وتعجيل المنفرد سلف جر نفعاً، وكذا إن عجل المنفرد وأحد الجملين اللذين في مقابلته لأن المؤجل هو العوض، والمعجل زيادة لأجل السلف. ابن يونس: كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا، وهذا هو المشهور الذي درج عليه (خ) في السلم حيث قال: لا جمل في جملين مثل عجل أحدهما الخ. ولا مفهوم لجمل في جملين بل غيرهما من الثياب وسائر العروض كذلك، ومقابل المشهور الجواز لأن تعجيل المنفرد مع أحد الجملين بيع، والجمل الآخر محض زيادة والقولان لمالك قال في ضيح: والأقرب جرياً على قواعد المذهب القول المشهور، لأن في هذه المسألة تقديراً يمنع وتقديراً يجيز والأصل في مثله تغليب المنع اه. ابن بشير: جرت في هذه المسألة مناظرة بين المغيرة وأشهب، فالتزم أشهب الجواز فألزمه المغيرة ذلك في دينار بدينارين عجل أحدهما فالتزمه، وقد لا يلزمه لأن باب الربا أضيق من غيره، ولا سيما الشافعي يجيز الزيادة في سلم العروض لأجل اه. فما قاله أشهب مقابل للمشهور، واعتراض (ق) على (خ) بما نقله عن المازري مردود بكلام ضيح وابن عبد السلام وعبد الحق وأبي إسحاق، ومفهوم قول ( خ) مثله أنهما لو كانا معاً أجود بكثرة حمل أو سبق جاز مطلقاً أجلا معاً أو أحدهما وعجل الآخر لمخالفتهما للمنفرد فصارا كجنسين. وهي رجوع كل من العوضين لصاحبه. ابن عرفة: هي ترك المبيع لبائعه بثمنه وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع وهي رخصة وعزيمة اه. يعني رخصة في الطعام قبل قبضه، والمراد بالعزيمة أحد أقسام الحكم الشرعي وهو الإباحة ههنا فهي رخصة فيما يمتنع بيعه قبل قبضه جائزة فيما عداه لأنها بيع من البيوع تنعقد بما يدل على الرضا وإن بمعاطاة، ثم إن وقعت بأقل من الثمن أو أكثر فهي بيع اتفاقاً فتمتنع في الطعام قبل قبضه، وتجوز في غيره مع وجود شروط البيع من كون المقال في مقدوراً على تسليمه غير واقعة وقت نداء الجمعة إلى غير ذلك، وإن وقعت بمثل الثمن فثلاثة أقوال. ثالثها: المشهور أنها بيع إلا في الطعام فتجوز منه قبل قبضه بناء على أنها نقض للبيع، وإلاَّ في الشفعة فليست بيعاً ولا نقضاً للبيع، بل هي باطلة إذ لو كانت بيعاً لخير الشفيع في أن يأخذ بالبيع الأول والثاني ويكتب عهدته على من أخذ ببيعه مع أنه إنما يأخذ بالبيع الأول ويكتب عهدته على المشتري، ولو كانت نقضاً للبيع لسقطت الشفعة وإلاَّ في المرابحة، فهي فيها حل بيع، فمن اشترى سلعة بعشرة وباعها مرابحة بخمسة عشر، ثم أقال منها ما لم يبعها ثانياً مرابحة إلا على أن رأس ماله عشرة، ولا يبيعها على أن رأس ماله خمسة عشر إلا إذا بين وهذا معنى قول (خ) والإقالة بيع إلا في الطعام والشفعة والمرابحة الخ. (إقالة) مبتدأ سوغه قصد الجنس وخبره (تجوز فيما حلا) كان الثمن عيناً أو عرضاً أو طعاماً غاب عليه أم لا. للسلامة من التهمة الآتية فيما لم يحل المشار إليه بقوله فيما يأتي: ولا يقال حيث لم يأت الأجل (بالمثل) يتعلق بتجوز (أو أكثر أو أقلا) وهذا التعميم يجب أن يخصص بغير الطعام قبل قبضه، وأما فيه قبل قبضه فلا تجوز إلا بالمثل كما تقدم، وظاهره أنها جائزة فيما حل ولو على تأخير الثمن وهو كذلك إن كان المبيع معيناً كالعبد والثوب ونحوهما، وأما إن كان المبيع غير معين كالشيء المسلم فيه، فإنه يجب فيه رد رأس المال عاجلاً وإلاَّ أدى لفسخ الدين في الدين لأن دينه كان عرضاً ففسخه في دراهم لا يتعجلها الآن بخلاف تأخير رأس المال في غير الإقالة فيجوز كما قال (خ): شرط السلم قبض رأس المال كله أو تأخيره ثلاثاً ولو بشرط، وذلك لأن اللازم فيه ابتداء الدين بالدين وهو أخف من فسخ الدين في الدين الذي هو لازم في الإقالة، وظاهره أيضاً جوازها فيما حل ولو من بعضه وهو كذلك إن كان الثمن مما يعرف بعينه كعرض أو مما لا يعرف بعينه ولم يغب عليه وإلاَّ كان مما لا يعرف بعينه كالطعام والعين وغاب عليه غيبة يمكنه فيها الانتفاع به ولم تجز الإقالة إلا من الجميع لا من البعض كان المبيع طعاماً أو غيره حل الأجل أم لا، لأنه يدخله بيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه لأن الغيبة على المثلى تعد سلفاً، فإذا أسلم له عشرة دراهم في ثوبين أو وسقين وبعد الغيبة على العشرة أقاله قبل الأجل أو بعده في أحد الثوبين أو الوسقين ورد له خمسة دراهم امتنعت الإقالة لأنه آل الأمر إلى أنه دفع عشرة وغاب عليها خمسة منها في مقابلة الخمسة التي ردها سلف، وخمسة منها في مقابلة أحد الثوبين أو الوسقين، فقد اجتمع البيع والسلف في الأمرين وزاد أحد الوسقين بعلة أخرى وهي بيع الطعام قبل قبضه. تنبيه: إذا باع سلعة فحملها المشتري ثم تقايلا فإن سأل البائع الإقالة فأجرة الحمل في ردها عليه، وإن سألها المشتري فأجرة الحمل في ردها للبائع عليه قاله البرزلي قال: وعليه تجري مسألة تقع اليوم وهي ما إذا أقاله في أصل باعه إياه قد كان دفع أجرة السمسار فمن طلب الإقالة فالأجرة عليه أما البيع الفاسد فحملها أولاً وآخراً على المشتري سواء دلس البائع أم لا. وكذا في الرد بالعيب نقله (ح). (و) إذا باع عبداً مثلاً فحدث فيه عيب عند المشتري ثم وقعت الإقالة ف (للمقال) الذي هو البائع (صحة الرجوع) في الإقالة ويرد العبد على المشتري (بحادث) ذلك العيب الذي (يحدث) عند المشتري (في) ذلك (المبيع) لأن الإقالة بيع فالبائع اشترى العبد ولم يطع وقت البيع على العيب الحادث عند المشتري، فإذا اطلع عليه بعد فله الرد به. (وفي القديم منه) أي من العيب وهو ما كان موجوداً وقت البيع (لا محالة) يرجع البائع (بزائد) الثمن (إن كان) قد زاده (في الإقالة) زيادة على الثمن الأول كما لو باعه له بثمانية فأقاله على عشرة، ثم اطلع البائع على عيب قديم لم يعلم به وقت البيع الأول ولا المشتري وقت الإقالة فإن للبائع أن يرجع بالاثنين اللذين زادهما للمشتري عند الإقالة، وقولي: لم يعلم به وقت البيع الأول احترازاً مما إذا علم به وقتئذ، فإنه لا يرجع على المشتري بالزيادة ولا يرد المبيع على المشتري لعلمه بالعيب وتدليسه به كما قال (خ): وفرق بين مدلس وغيره في أخذه منه بأكثر الخ. وقولي: ولا المشتري وقت الإقالة احترازاً مما إذا علم به المشتري وعدل عن الرد به إلى الإقالة فإنه حينئذ كأنه حدث عنده، وللبائع حينئذ أن يرده عليه إذا لم يعلم به وقت الإقالة، وإلاَّ فلا لدخوله عليه، ومفهوم قوله بزائد أنه إذا أقاله فيه بمثل الثمن أو بأقل لا يرجع بشيء وهو كذلك في المثل، سواء أقاله بعد اطلاعه على العيب أم لا. كان المقال مدلساً في بيعه الأول أم لا. غير أنه إذا لم يكن مدلساً فله رده على المشتري إذا أقاله بعد اطلاعه عليه لأنه بمنزلة ما حدث عنده كما مر، وأما في الأقل فإن أقاله المشتري قبل اطلاعه على العيب فإن البائع يجب عليه أن يكمل له الثمن سواء دلس أم لا. وإن أقاله بعد اطلاعه عليه لم يكمل له دلس أم لا. وإلى تفصيل هذه المسألة أشار (خ) في العيوب بقوله: فإن باعه أي أقاله بمثل الثمن أو بأكثر إن دلس فلا رجوع وإلاَّ رد ثم رد عليه وبأقل كمل الخ. وإنما يرجع البائع بالزائد فيما إذا أقاله بأكثر. (بعد اليمين أنه لم يكن يعلمه فيما مضى من زمن) وهي يمين تهمة لا تقلب ويثبت الحق بمجرد نكوله عنها، اللهم إلا أن يحقق المشتري عليه دعوى العلم، فإنها تقلب ولا تسقط عن المشتري الزيادة حيث نكل البائع إلا بعد يمينه. (والفسخ) مبتدأ خبره (في إقالة) من غزل مثلاً اشتراه ثم أقال فيه بعد أن نسجه ولم يعلم المقال بنسجه (مما) أي من أجل ما (انتهج) المبيع أي سلك (بالصنعة) منهج (التغيير) مفعول مطلق على حذف مضاف كما ترى وما مصدرية أي: الفسخ واجب في هذه الإقالة من أجل سلوك المبيع طريق التغيير بسبب الصنعة لأن التغيير فوت، فلا يلزم المقال أخذه مع فوته إلا برضاه وذلك (كالغزل) حالة كونه (انتسج) بعد بيعه وأقاله فيه قبل أن يعلم البائع بنسجه كما مر، فإن علم بنسجه فالإقالة لازمة كانت بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، فإن تنازعا بعد وقوعها فادعى المشتري أنه أقاله بمثل الثمن ويزيد أجرة نسجه، وادعى المقال أنه أقاله بالمثل فقط فذلك كاختلاف المتبايعين في الثمن فيتحالفان ويتفاسخان ولا تلزم الإقالة. (إلا إذا المقال بالرضا دفع. لمن أقال أجرة لما صنع) فتلزم الإقالة حينئذ. ابن سلمون قال ابن الماجشون: من أقال رجلاً في بيع أو ابتياع فوجد شيئاً قد زاد أو نقص أو فات هو لا يعلم لم تلزمه إلا في الطعام وكل ما يوجد مثله فيلزمه قال المشاور: ولا تجوز الإقالة في شيء قد دخلته صنعة من الصنائع كالخياطة في الثوب والدباغ في الجلد ونحو ذلك ويفسخ إلا أن يقول المقيل: أقيلك على أن تعطيني في خياطتي أو دباغتي كذا وكذا فرضي بذلك وإلاَّ فلا اه. فقول المشاور: ولا تجوز الإقالة يعني لا تلزم حيث لم يعلم بتغيره وظهور تغيره كعيب به فلا بد من رضاه به، وإذا علم بالتغير وسكت عن دفع الأجرة فلا تلزم أيضاً بدليل الاستثناء بعده فيكون موافقاً لابن عيشون لأن الصنعة فوت وتزيد وتنقص فلا تلزم الإقالة للمقال إلا بعد علمه بالتغير ورضاهما على أخذ الأجرة ودفعها أو على تركها، وإلا فسخت الإقالة. هذا هو المراد فقوله: كالغزل الخ. أخرج به المثلى لأنه وإن تغير وهو لا يعلم بتغيره فالإقالة فيه لازمة ويأخذ مثله ولا كلام لواحد منهما كما تقدم، وبهذا التقرير ينتفي إشكال الشارح حيث قال: لم يتبين لي وجه فسخ الإقالة إذا رضي المقال بذهاب عمله مجاناً، فكما يجوز له قبض أجرة ذلك يجوز أن يتركه مجاناً اه. لما علمت أنه ليس مراد المشاور دفع الأجرة حتماً وأنها لا تجوز إلا بدفعها لما علمت من أن الإقالة بيع فتجوز بالمثل أو بأقل أو بأكثر حصل تغير في المبيع كتفصيل الثوب وخياطته أم لا. وإنما مراده أنها لا تلزمه عند التنازع في كونها وقعت على دفع الأجرة أو على تركها إلا مع البيان أو رضا المقال بدفعها بعد علمه بالتغير، فكلام المشاور تفسير لكلام ابن الماجشون لا أنه مستقل كما فهموه، وأما قول من قال وجه منعها بعد حدوث الصنعة هو تهمة سلف جر نفعاً فغير سديد لما علمت أن الغيبة على المقوم المعين لا تعد سلفاً كما مر في غير ما موضع، ويلزم عليه أن من اشترى سلعة وأحدث فيها صنعته لا يبيعها من بائعها إلا بعد دفع أجرة الصنعة، وهذا لا يقوله أحد، وقد تحدث الصنعة فيها نقصاً، وأيضاً أي نفع يحصل للمقترض بالغيبة على الجلد والثوب والغزل حتى يحمله ذلك على الاستقراض ويتهم عليه والله أعلم. (ولا يقال) مضارع أقال مبني للمفعول أي لا تجوز الإقالة لمن باع ثوباً بعشرة إلى شهر مثلاً (حيث لم يأت الأجل) الذي هو آخر الشهر (بثمن أدنى) كثمانية نقداً ( ولا وقت) أي: ولا لوقت (أقل) من الشهور. (أو ثمن أكثر منه) أي من الثمن الأول الذي هو العشرة في المثال المذكور كأن يقيله على اثني عشر (لأمد) أجل (أبعد مما) أي للأجل الذي (كان) هو أي الأمد (فيه المعتمد) خبر كان وفيه متعلق به وضميره للبيع أي أو أقاله على ثمن أكثر من الأول لأجل أبعد من الأجل الذي كان هو أي: الأجل معتمداً لهما في البيع ولو قال: أو ثمن أكثر منه لأجل *** أبعد مما كان في البيع حصل لكان أسهل وأوضح. والحاصل أن من باع سلعة لأجل وأقال بائعه فيها، فأما أن يقيله بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، وفي كل إما نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه أو لأبعد منه ثلاث في أربع باثنتي عشرة صورة منع منها ثلاثة وهي ما عجل فيه الأقل كما في (خ) وهي المذكورة في النظم، وعلة المنع فيها تهمة سلف جر نفعاً وضابطها أن يعود لليد السابقة بالعطاء أكثر مما خرج منها، فإن استوت الأثمان بأن أقاله أو اشترى منه بمثل الثمن، فالجواز مطلقاً نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه أو لأبعد منه كما قال: وكذا تجوز بأقل للأجل أو لأبعد منه أو بأكثر نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه، فهذه تسع صور من الاثنتي عشرة المتقدمة كلها جائزة لأنه لم يعد لليد السابقة بالعطاء أكثر مما خرج منها، بل عاد إليها في صور المثل الأربعة مثل ما خرج منها وعاد إليها فيما عداها أقل مما خرج منها، وفي الصورة الأخيرة وهي بأكثر للأجل نفسه تقع مقاصة ولا يد سابقة هناك فانتفت التهمة، وهذه المسألة من فصل بيوع الآجال وهو كثير التفاريع وقد تكفل بها (خ) وغيره. تنبيه: في نوازل البرزلي: وأما من عليه دين حل أجله أو قرب فلا يجوز أن يستدين من رب الدين ديناً آخر كان الأول برهن أم لا. ولو زعم أنه لغيره إذا كتبه باسمه، وسواء كان الغريم ملياً أو عديماً والعلة سلف جر نفعاً. والبرزلي: ظاهر مسائل الصرف من المدونة أنه إذ كانت السلعة الثانية غير الأولى أو الأولى ولم يردها عليه في الحال أو ما قرب ولم يكن بينهما شرط ولا عادة أنه جاهز اه. (ومشتر) لشيء (أقال) بائعه فيه (مهما اشترطا) المشتري في إقالته على البائع المقال (أخذ المبيع) الذي وقعت فيه الإقالة (إن يبع) أي أن يبعه البائع ( تغبطا) بمعنى المفعول أي متغبطاً به، وهو حال إما من فاعل اشترط أو فاعل يبع، ويجوز أن يكون مفعولاً لأجله. (بالثمن الأول) متعلق بأخذ (فهو) أي اشتراط أخذ المبيع بالثمن الأول إذا بيع ( جائز) والجملة جواب الشرط الذي هو مهما والشرط وجوابه خبر المبتدأ (و) إذا جاز ذلك (فالمشتري به) أي بذلك الاشتراط (المبيع) مفعول بقوله: (حائز) أي وإذا باعه البائع المقال فإن بيعه يفسخ، ويحوز المشتري المبيع ويأخذه بالثمن الأول بسبب شرطه المذكور قاله ابن القاسم في العتبية، ونص عليه ابن فتحون، ونقله ابن سلمون قائلاً: إلا أن يبيعها البائع بعد طول من الزمن ترتفع عنه فيه التهمة فلا شيء للمشتري المقيل وتبعهم الناظم، وفي المسألة نزاع واضطراب بسطنا الكلام عليه في الثنيا عند قوله: وجاز إن وقع بعد العقد طوعاً بحد أو بغير حد، فانظره هناك ولا مفهوم لقوله الأول، بل كذلك إذا شرط عليه المشتري في إقالته أخذه بالثمن الذي يبيعه به البائع ثانياً كما مر هناك، وعبارة الأجهوري في هذه المسألة هي ما نصه: ذكر الحطاب في التزاماته ما يقتضي أن تعليق الإقالة يجوز بخلاف تعليق البيع في غير الإقالة، فإذا قال المقيل للمقال: لا أقيلك إلا على أنك متى بعتها لغيري فهي لي بالثمن فرضي بذلك، فإن ذلك جائز، ومتى باعها كانت للمقيل بالثمن الأول، وسواء باعها بالقرب أو بعد بُعد حيث أتى بمتى وينقض البيع فيها وترد للمقيل، لأن متى لا تقتضي قرب الزمان، وأما إن أتى بأن أو بإذا فهي له إن باعها بالقرب فقط بخلاف لو وقع هذا الشرط في البيع، فإذا باعه على أنه متى باعه فهو له بالثمن ولو الأول، فإن البيع يفسد هذا هو المعول عليه قاله (ح) اه ثم قال الأجهوري المذكور: والحاصل أن البيع يفسد بهذا الشرط اتفاقاً بخلاف الإقالة ففيها خلاف يعني: والمعول عليه الجواز قال: وهنا أمور ينبغي التنبه لها. الأول، قال ابن رشد: إنما جاز هذا الشرط في الإقالة لأنها معروف فعله معه واشتراط أن يكافئه عليه بمعروف فلزم ذلك فيها بخلاف البيع اه. وهذا هو وجه الفرق بين البيع والإقالة. الثاني: قال في النوادر: من أقال بائعه من حائط اشتراه على أنه متى باعه البائع فهو للمقيل بالثمن الذي يبيعه به فرضي ثم باعه فقام المقيل بشرطه كان ذلك له ويرد البيع ويأخذه بالثمن الذي باعه به اه وقوله: كان ذلك له أي كان له القيام بشرطه. وقوله: ويرد البيع ويأخذه أي فهو إنما يأخذه بعد علمه به، فليس هو من الشراء بثمن مجهول. والحاصل أنه إن قال في مسألة الإقالة: إن بعته فهو لي بالثمن الأول فإنه يكون له بمجرد البيع إلا أن يشاء عدم أخذه، وأما إن قال: إن بعته فهو لي بالثمن الذي تبيعه به فإنه لا يكون له إن شاء أخذه إلا بعد معرفة الثمن الذي بيع به لا قبل ذلك لئلا يكون من المبيع بثمن مجهول. الثالث: لم يعينوا حد القرب ولا حد البعد في هذا الموضع، وقد ذكروا في مسألة النكاح أن البعد السنتان كما ذكره الشارح عند قول المصنف، وفي تشطير هدية الخ. والأنسب تفسير القرب هنا بما فسر به القرب في الثنيا المحدودة بأجل فإنهم فسروا القرب فيها باليوم ونحوه اه. كلام الأجهوري باختصار. (وسوغت إقالة فيما اكتري) من دار أو دابة أو غيرهما (إن لم يكن أعطى الكراء المكتري). وظاهره جوازها حيث لم يكن أعطى الكراء سواء سكن بعض المدة أو ركب بعض المسافة أو لم يسكن ولم يركب وهو كذلك، ومفهوم الشرط أن الإقالة بعد نقد الكراء لا تجوز وهو كذلك إن كان سكن بعض المدة أو ركبها لأنه كراء وسلف كسلع باعها وقبض ثمنها وغاب عليه غيبة يمكنه الانتفاع به، ثم أقال من بعضها لتهمة بيع وسلف كما تقدم في البيت الأول من هذا الفصل، وهو مفهوم قول (خ) في العيوب: وإقالة من الجميع، فمفهومه إذا كانت من البعض لا تجوز إن كان قد غاب على الثمن الذي لا يعرف بعينه، وقد أشار في كراء الدابة لذلك أيضاً حيث قال عاطفاً على الجواز وإقالة بزيادة قبل النقد وبعده إن لم يغب، وإلاَّ فلا إلا من المكتري فقط إن اقتصر أو بعد سير كبير الخ. وأما إن نقد الكراء ولم يسكن ولم يركب فالإقالة جائزة إذ لا يلزم عليها شيء، فمفهوم الشرط في النظم فيه تفصيل كما ترى. وهي كما لابن عرفة تصيير مشتر ما اشتراه لغير بائعه بثمنه. (والتصيير) وهو دفع شيء معين ولو عقاراً في دين سابق. (تولية) الشيء (المبيع) لغير بائعه بثمنه (جازت مطلقاً) كانت قبل قبض المشتري للمبيع أو بعده (وليس ذاك في الطعام) قبل قبضه (متقى) أي ممنوعاً، بل تجوز فيه قبل قبضه كالشركة فيه والإقالة لأن الثلاثة معروف رخص فيها الشارع صلوات الله عليه كما رخص في اشتراء العرية المشار إليها بقوله. (خ): ورخص لمعير أو قائم مقامه اشتراء ثمرة تيبس أن لفظ بالعرية وبدا صلاحها وكان يخرصها ونوعها الخ. وقولنا: لغير بائعه احترازاً مما إذا كان لبائعه فإنه إقالة. وقولنا بثمنه احترازاً مما إذا كان بأقل أو بأكثر، فإنه بيع فلا تجوز فيه قبل قبضه، وظاهره أن التولية في الطعام وغيره جائزة ولو على تأخير الثمن لأجل معلوم، وهو كذلك ما لم يكن الشيء المولى بالفتح سلماً وإلاَّ فلا بد أن يتعجل المولي بالكسر رأس المال ناجزاً لئلا يدخله بيع الدين بالدين، وهو أشد من ابتداء الدين بالدين لما مر أن ابتداءه يجوز تأخره ثلاثاً، ولو بشرط. (والشرط في) صحة (التصيير) وتمامه أمران أحدهما (أن يقدر دين) أي يعلم قدره لأنه ثمن للمصير بالفتح (و) ثانيهما (الإنجاز) لقبض (ما تصيرا) ومفهوم الشرط الأول أنه إذا لم يعرفا معاً أو أحدهما قدر الدين لم يجز، وهو كذلك لأنه مبايعة فلا يجوز مع جهل العوضين أو أحدهما إلا إذا تعذرت المعرفة بكل حال، فيجوز حينئذ على وجه التحلل كما يأتي في مسألة التمخي آخر الفصل، وكما تقدم في قوله في الصلح: وجائز تحلل فيما ادعى *** ولم تقم بينة للمدعى فانظر ذلك هناك، ومفهوم الشرط الثاني أنه إن تأخر القبض للشيء المصير ولو لبعضه لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت كلها، فإن التصيير لا يجوز وهو كذلك إن كان الشيء المصير غير معين كأن يصير له في الدين الذي عليه عرضاً أو حيواناً أو طعاماً موصوفاً فيمنع، ولو وقع القبض في البعض دون البعض بلا خلاف لأنه فسخ دين في دين، وأما إن كان المصير معيناً كحيوان أو عرض معينين أو دار كذلك ففيه خلاف واضطراب كثير، والمشهور المعمول به كما هو ظاهر النظم المنع، ولو وقع القبض في البعض دون البعض أيضاً، وبه أفتى (خ) في قوله: وككالىء بمثله فسخ ما في الذمة في مؤخر ولو معيناً يتأخر قبضه كغائب ومواضعة ومتأخر جذاذه ومنافع عين الخ. واعلم أن تصيير المعين في الدين من باب بيع معين يتأخر قبضه، وقد تقدم تفصيله صدر البيوع في بيع الأصول، ولذا كان القول بعدم افتقاره للحيازة قوياً صوبه ابن سهل، ورجحه ابن يونس، وصححه المتأخرون كما لابن عبد السلام، ونقله (ز) وأفتى به اليزناسني لأنه من ناحية المعاوضات وهي لا تفتقر للحيازة لدخول المعين الحاضر في ضمان المشتري بالعقد، ومثله العقار الغائب لأنه يدخل في ضمانه بالعقد أيضاً، والقول بافتقاره لها راعى فيه شبه فسخ الدين في الدين وليس ذلك فسخاً حقيقياً، ولذا قال الشيخ (م): والجاري على القواعد أن تصيير المعين لا يفتقر إلى قبض إذ المعين لا تحمله الذمم، وإذا كان كذلك فليس من فسخ الدين في الدين اه. ولذا قال ابن سلمون أيضاً: وأما إن كانت يعني الدار المصيرة قد نظرت إليها فالتصيير جائز بلا خلاف، يعني ولو تأخر قبضها. ولعل ما ذكره من عدم الخلاف هو طريقة له، وفي أواخر الصلح من المعيار جواب لمؤلفه قال فيه ما حاصله: إذا كان التصيير في معين مؤخر والتأخير يسير كالثلاثة الأيام ففي جوازه ومنعه اضطراب، ومذهب المدونة المنع وساق كلامها ثم قال: وإن كان التأخير كثيراً فإما بشرط أو غيره، فإن كان بشرط فيبطل وإن كان بغيره فابن القاسم في المدونة يمنع وأشهب في العتبية يجيز، وبقول ابن القاسم جرى عمل الموثقين والحكام اه. باختصار. ومراده بالتأخير الكثير هو ما يتغير المعين إليه غالباً كما مرّ صدر البيوع، وإذا أجاز أشهب التأخير الكثير بغير شرط فأحرى أن يجيز اليسير، وظاهرهم أن التأخير ولو في المعين الحاضر يفسد التصيير على المعمول به ولو لم يدخلا عليه، ولو كان يسيراً ويفسخ مع القيام ولو قبضه المصير إليه إلا أن يفوت ببيع صحيح ونحوه مما يفوت البيع الفاسد، وهو كذلك كما قاله سيدي مصباح حسبما في المعيار فيمن صير لزوجته أرضاً في صداقها فلم تقبضها إلا بعد أشهر أو أعوام أو يوم. قال في الجواب الذي اتصل به العمل: أن التصيير لا يتم إلا بالحوز بإثر العقد وإن تراخى القبض عن ذلك كان بيعاً فاسداً يرد مع القيام، وإن فات بما يفوت به البيع كانت فيه القيمة يوم القبض اه. قلت: فظاهر قوله في السؤال أو يوم أن التأخير اليسير لا يغتفر، وسيأتي في البيتين بعده ما يخالفه، وأيضاً كون التأخير الذي لم يدخلا عليه مفسداً للتصيير مخالف لما في صلح المعيار من أنه إذا وقع الصلح بدنانير عن دراهم أو بالعكس وتأخرت من غير شرط فالصلح جائز قال: وهو صريح قولها أول الكتاب: وإن تأخرت الدنانير من غير شرط جاز اه. وإذا جاز هذا في صرف ما في الذمة مع كون باب الصرف أضيق فأحرى أن يجوز في التصيير، ولا سيما التصيير في المعين لأنه أمر جر إليه الحال ولم يدخلا عليه ولا قصداه، ولأنه من بيع المعين الذي يدخل في الضمان بالعقد ولا تحمله الذمة كما مر، وعليه فإذا حازه المصير إليه بعد ذلك التأخير الحاصل من غير شرط لم يفسخ ويجبر الآبي على حيازته، وإنما قلنا ذلك لأن العقد وقع على الصحة أي على أن يقبضه الآن، والعقد الواقع على الصحة لا يفسخ بما طرأ عليه كما قالوه في مساقاة الحائط الغائب أنه يشترط أن يصله العامل قبل طيبه، وأنه إن تراخى فوصله بعد طيبه لم تفسد، فالذي ينبغي اعتماده أو يجب عدم الفسخ فيما إذا حصل التأخير من غير شرط، ولهذا قال البرزلي في نوازل الإقرار: إذا صير الإنسان لامرأته في كالئها أو في دين يعلم سببه نصف داره وسكن معها إلى أن مات فهو تصيير جائز إذا لم يشترط عليها السكنى فيها، وقيل مردود والأول أظهر اه. وقال ابن سراج كما في (ق): إذا خدم معك من لك عليه دين بغير شرط فإنه يجوز لك أن تقاصه عند الفراغ من الذي عليه، وبهذا أفتى ابن رشد لظهوره عنده إذ ما كان يخفى عليه قول ابن القاسم اه. فقوله لظهوره عنده صريح في أنه اعتمد في فتواه قول أشهب، فيكون ابن القاسم على هذا لا يجيز المقاصة ولو بعد الفراغ لأنه عنده عقد فاسد لاتهامهما على تصيير الخدمة المتأخرة عند الاستيفاء في الدين فلا يصدقان في عدم القصد والشرط، وإذا فسد العقد عنده فيرجع العامل بأجرة مثله ويتحاسبان لأن مذهبه أن التأخير اليسير ممنوع، وقول الشيخ بناني معترضاً على الشيخ (ز) ما أفتى به ابن رشد من المقاصة موافق لابن القاسم لا مخالف له فيه نظر كما ترى وبعد كتبي ما تقدم عن المعيار والمدونة وقفت على مثله لأبي العباس الملوي في تحريره، فالحمد لله على الموافقة. تنبيهات: الأول: إذا شهدت بينة بحوز المصير له شهراً ثم رجع إلى يد المصير بعد ذلك لم يبطل التصيير قال ناظم العمل: وللحيازة افتقر التصيير *** وحوزه شهر وذاك تكثير وأما إن شهدت إحداهما بحوز المصير له ونزوله في الدار بالمعاينة أو الاعتراف ولم تشهد باستمرار الحيازة شهراً أو شهدت الأخرى بأنه لم يزل بيد المصير وأنه لم يخرج من يده أصلاً فإن الشهادة بعدم خروجه من يده تقدم لأنها أثبتت استمرار عدم الحيازة والأخرى لم تتعرض للاستمرار، فيمكن أن يكون رجع ليده بعد معاينة الحوز قبل مضي الشهر، وقد بينا ذلك في حاشية اللامية، وسيأتي ما فيه من الخلاف في أوائل الحبس إن شاء الله الثاني: إذا لم تقع حيازة في التصيير حتى مات المصير فحازه المصير له بعد موته وباعه فقام وارث المصير على المشتري محتجاً بفساد التصيير، فالجاري على ما به العمل أنه بيع فاسد وهو يفوت بالبيع الصحيح لأن الفساد حصل بمجرد التأخير سواء وقع القبض في حياة المصير أو بعد موته كما هو ظاهر من كلام سيدي مصباح المتقدم وغيره، وفتوى بعضهم بنقض البيع فيه لأن قبضه بعد الموت كالعدم فبيعه بعده تصرف في ملك الغير الخ. غير سديد لأن هذا إنما يتم لو كان التصيير محض هبة، وقد علمت أنه معاوضة باتفاق، ولكن تأخير القبض فيه يصيره معاوضة فاسدة على المعمول به يجري على حكمها، لكن كان القياس أنه يمضي مع الفوات بالثمن لأنه بيع مختلف فيه لا بالقيمة كما قال سيدي مصباح إلا أن يقال ما في (خ) من مضي المختلف فيه بالثمن قاعدة أغلبية فقط لأنهم أوردوا على مضي المختلف فيه بالثمن مسائل قاله الملوي. الثالث: اختلف على القول باشتراط الحيازة هل لا بد من المعاينة أو يكفي فيه اعتراف المصير والمصير له؟ قولان: والثاني منهما هو المشهور المعمول به، وإذا تنازعا فادعى أحدهما الحوز على الفور وادعى الآخر التأخير جرى على الاختلاف في دعوى الصحة والفساد في البيع، وقد علمت أن القول لمدعي الصحة قاله أبو عمران، وبه أفتى العقباني وغيره كما في شرح العمل، وعليه فقولهم لا بد فيه من فور الحوز أي لا بد أن يثبت بالبينة أو باعترافهما أو يدعيه أحدهما، وإذا كان القول لمدعي الصحة فمحله إذا لم يغلب الفساد، وقد قال الملوي في تحريره: الغالب في التصيير للزوجة عدم حوزها فيكون القول حينئذ لمدعي عدم فور الحوز، فالتصيير مخالف للهبة. ونحوها من التبرعات إذ لا بد فيها من المعاينة كالرهن ومحل هذا إذا لم يكن في التصيير محاباة وغبن وإلاَّ فلا بد من المعاينة لأن المحاباة هبة، وفي الطرر: وإذا ثبت الغبن والمحاباة في التصيير ولم تصح فيه الحيازة بطل اه. ومحله أيضاً إذا لم يكن الدين ثبت بإقرار وإلاَّ فلا بد من المعاينة لاتهامهما على قصد الهبة والتحيل على إسقاط الحيازة فلا تنتفي التهمة إلا بالمعاينة، وهذا كله على ما مر من أن المشهور ثبوت الحوز بالاعتراف، وأما على ما صدر به في المعين من أن الاعتراف بالحوز غير كاف ونحوه في الطرر وابن سلمون قائلاً: به العمل، فلا فرق بين التصيير والتبرعات في وجوب معاينة الحوز. (الرابع): في البرزلي عن ابن حديد: إذا صير الزوج دار سكناه لزوجته ولم يخلها من متاعه وعمله فذلك دين بدين وبيع فاسد على قول ابن القاسم، وبه قال شيوخ قرطبة ابن لبابة وغيره وبه العمل اه. باختصار. ونقله في المعيار أيضاً عن بعضهم ونحوه في المتيطية قائلاً: لا يجوز تصيير دار السكنى للزوجة إلا أن يخليها من سكناه وأمتعته فيتم لها قبضها هذا هو المشهور المعمول به اه. وخالف ابن رحال في هذا فقال: إن التصيير في غير مسألة الزوجة شرطه الحوز وإلاَّ فسد، ومسألة الزوجة فيها خلاف والصواب هو المضي لأن مسألة الزوجة حائزة بعض الحوز ولا كذلك من لم يحز أصلاً بدليل أن الصدقة تحاز مع المصدق وتصح اه. وأشار بقوله: بدليل أن الصدقة تحاز مع المتصدق الخ. إلى ما صدر به ابن سهل حسبما في (ق) آخر القرض من أن التصيير لا يحتاج إلى حيازة، وبه أفتى ابن عتاب وابن القطان وابن مالك في مسألة تصيير نصف دار السكنى قال: وهو الصواب لأنه قول مالك فيمن وهب أجنبياً جزءاً من ماله مشاعاً واعتمر الموهوب له مع الواهب أنه جائز اه. وفيه نظر لأن الزوجة في مسألة تصيير نصف الدار لها أو تصييرها كلها لها لم تعتمر لنفسها شيئاً في الحقيقة إذ سكناها على الزوج والمعتمر في الحقيقة هو الزوج بخلاف مسألة صدقة الجزء المشاع فالمتصدق عليه قد حاز لنفسه. الخامس: تقدم في النكاح أن عادة البوادي أن يسموا في الصداق عيناً ويدفعوا عنها عرضاً أو حلياً أو شورة أو عقاراً وذلك جائز لا يفتقر لحيازة وأنه ليس من التصيير. قال أبو العباس الملوي بعد نقول ما نصه: قد بان لك من هذا أن من عقد على شيء والمقصود دفع غيره فالعبرة بذلك المقصود وكأن العقد وقع عليه ابتداء، فإذا تزوج بنقد والمقصود بالشرط أو العادة دفع عقار فكأنه تزوج بذلك العقار ابتداء فلا يحتاج إلى حيازة والعادة دفع الشورة فكأنه تزوج بالشورة ابتداء فيجري على قول (خ): وجاز بشورة الخ اه. وانظر ما يأتي الأول فصل الإجارة ففيه م يوافقه. السادس: إذا لم يحز المصير له الشيء المصير على الفور فباعه المصير، فهل يكون بيعه نقضاً للتصيير؟ قولان. والراجح كما يفيده (ح): أنه نقض للتصيير ويمضي البيع الواقع منه والهبة كالبيع، وهذا كله حيث وقع البيع قبل فواته بيد المصير له وإلاَّ فبيعه غير معتبر قاله الملوي. السابع: في أقضية المعيار: من توفي عن زوجة وأولاد صغار فطلبت الزوجة مهرها فصير لها فيه ربع من التركة بغير نداء عليه ولا حاكم فقال: إذا لم يكن بالموضع حاكم واجتمع وجوه الموضع وعدوله وطلبوا الزيادة في مظانها أو لم يشيدوه، ولكن قوم بقيمة مستوفاة بحيث لا تمكن فيه الزيادة لرشيد فالتصيير ماض ولا مقال للورثة، ولو لم يكن شيء من ذلك فلهم القيام. (والعرض) بالنصب على الراجح من باب الاشتغال (صيره) في الدين (بلا منازعة) أي بلا خلاف في جواز تصييره، وإنما الخلاف في كونه يفتقر للحيازة أم لا كما مر. (والحيوان) صيره أيضاً بهيمياً كان أو عاقلاً كالرقيق (حيث لا مواضعة) تجب في الأمة المصيرة ولم يقع التصيير على عهدة الثلاث أو خيار لأحدهما في الإمضاء والرد ونحو ذلك مما يوجب تأخير قبض الشيء المصير وعدم دخوله في ضمان المصير إليه كما مر في قول (خ) ولو معيناً يتأخر قبضه كغائب ومواضعة الخ. (وجائز فيه) أي في التصيير (مزيد) مصدر ميمي أي زيادة (العين) من المصير له (حيث يقل عنه) أي عن ثمن الشيء المصير (قدر الدين) بأن يكون الدين مائة ويصير له فيه داراً تساوي مائة وعشرين على أن يزيده رب الدين عشرين، وظاهر إطلاقه جواز ذلك ولو تأخرت العشرون المزيدة وهو كذلك كما لصاحب التيسير والتسهيل، وبه قررت كلام الناظم وقول ابن سلمون والمتيطية وغيرها إن كان التصيير في دين وزيادة زادها فلا بد له من القبض الناجز الخ. إنما يعنون قبض الملك المصير لا الزيادة إذ لا وجه لمنع تأخيرها لأجل معلوم خلافاً لما فهمه ابن رحال و(م) من تناجز قبض الزيادة والله أعلم. وأما عكس النظم وهو ما لو كان الدين مائة ودفع الدار في ثمانين فجائز أيضاً إن بقيت العشرون لأجلها أو قبضها بحضرة العقد وإلا بأن أخره بها عن أجلها امتنع للبيع والسلف. (والخلف في تصيير ما) هو منفعة (ك) تصيير (السكنى) في دار أو حانوت أو ركوب دابة أو سفينة ونحو ذلك مما لا يقبض دفعة واحدة بل شيئاً فشيئاً فابن القاسم يمنع ولو شرع في قبض المنفعة أثر العقد لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر عنده، وأشهب يجيز لأن قبض الشيء عنده قبض لجميع منافعه. قال بعض القرويين: وهو أقيس. قال ابن سراج: يجوز فسخ الدين في معين اليوم ونحوه، فإذا كان للإنسان دين على آخر فقال له: احرث معي غداً واقتطع لك من دينك، فهذا جائز على قول أشهب، ورجحه ابن يونس. وفي المتيطية يجوز في الشيء اليسير أن تعطي غريمك ثوباً يخيطه لك من دينك عليه وشبه ذلك فإن كثر العمل لم يجز اه. وظاهره أن هذا على مذهب ابن القاسم، وأما على مذهب أشهب فلا فرق بين العمل القليل والكثير فيؤخذ من هذا جواز التأخير اليسير في حيازة التصيير كاليوم واليومين على مذهب ابن القاسم، إذ فسخ الدين في الدين يغتفر فيه ما قرب كما قال (خ): والأضيق صرف إلى قوله ثم إقالة عروض وفسخ الدين بناء على أن معنى الضيق والسعة في ذلك جواز التأخير اليسير فيما عدا الصرف، فالتأخير اليسير مع اشتراطه جائز على ما يقتضيه شراحه هنالك، وأما مع عدم الاشتراط فتقدم أنه لا فرق بين اليسير والكثير. (أو ثمر معين ليجنى) فابن القاسم يمنع أن يأخذ عن دينه ثمراً معيناً في رؤوس أشجاره يقتطفه بعد تناهي طيبه لأنه فسخ في معين كما مر، وأشهب يجيزه كما يجيز أخذ الدابة الغائبة والأمة التي تتواضع والعبد بالخيار ونحو ذلك كما مر.
|